نقد متن الحديث النبوي وتاريخه
Abstract
فقد حَظيت السنَّةُ النبويةُ باهتمام كبير؛ لأنها التطبيق النبويّ العمليّ للقرآن الكريم، وقد اعتنى الصحابةُ بها في عهد الرسول r وبعد وفاته؛ حَرَصُوا على فحص ما يُروَى لهم عن النبي وفق مناهج اعتمدوها لذلك، وقد ورِث مَنْ بعدهم عنهم هذه العنايةَ، وأضافوا إليها، وقد حظي السند باهتمام بالغ، لكن أهل العلم لم يغفلوا متن الحديث النبوي من الإعلال والنقد قبولا وردًا، وإن لم يَرْقَ ذلك إلى مستوى الاهتمام بالسند؛ وذلك لأمور من أهمها: مَا مَرَّ به المسلمون من الفتن ونشوء الفرق المختلفة، مع محاولة كل منها الانتصار لرأيها من خلال السنة النبوية، إلا أنَّ ثمة جهودًا قد بُذلت في مجال نقد المتن تستحق الكشف عنها، والاهتمام بها، وقد ادعى بعض المستشرقين إغفال المحدثين لهذا الباب، وتبعهم على هذا بعض المسلمين، لذا فقد شرعت في كتابة هذا البحث تحت هذا العنوان: نقد متن الحديث النبوي وتاريخه، كمحاولة لوضع لبنة في تشييد هذا البناء المحتاج إليه أكثر من ذي قبل، خاصة مع ما يُكال من اتهامات لعلماء الحديث وأهله والمعتنين به من إغفال هذا الباب، وأنهم لم يتجاوزوا النقد الخارجي، وكان تصحيحهم للروايات اعتماداً على صحة أسانيدها فقط، دون النقد الداخلي المتمثِّل في فحص المتن والنظر فيه!
وقد تولَّى كِبر هذه الفرية في بداية الأمر بعضُ المستشرقين غير المنصفين، من الطاعنين في أصول وثوابت هذا الدين، وتبعهم على هذا -عن غفلةٍ وقلَّة علم عند أكثرهم- بعضُ أبناء المسلمين.
يقول المستشرق الإيطالي الأمير ليون كايتاني في موسوعته (حوليات الإسلام): "كل قصد المحدِّثين ينحصر ويتركّز في وادٍ جدبٍ ممحلٍ من سرد الأشخاص الذين نقلوا المروي، ولا يشغل أحدٌ نفسه بنقد العبارة والمتن نفسه"! (,1/371905Caetani,).
ويقول أحمد أمين: "وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد ليس هنا محل ذكرها، ولكنهم -والحق يُقال- عنوا بنقد الإسناد أكثر مما عنوا بنقد المتن، فقلَّ أن تظفر منهم بنقد من ناحية أن ما نُسب إلى النبي r لا يتفق والظروف التي قيل فيها، أو أن الحوادث التاريخية الثابتة تناقضه، أو أن عبارة الحديث نوعٌ من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في تعبير النبي، أو أنَّ الحديثَ أشبه بشروطه وقيوده بمتون الفقه، ولن تظفر منهم في هذا الباب بُعشر من معشار ما عنوا به من جرح الرجال وتعديلهم، حتى نرى البخاريَّ نفسه -على جليل قدره، ودقيق بحثه- يثبت أحاديث دلَّت الحوادث الزمنية والمشاهدة التجريبية على أنها غير صحيحة؛ لاقتصاره على نقد الرجال" (أمين، 1969، ص 217، 218).
ويأتي هذا البحث في تمهيد وثلاثة مباحث:
أما التمهيد: فجاء توطئة للبحث، بذكر اتجاهات العلماء ومواقفهم من فِرية إهمال المحدِّثين لنقد المتن، مع بيان أهم الأسباب التي أدَّت إلى توجيه أكثر العناية لنقد الإسناد عن قسيمه الآخر.
المبحث الأول: لبيان المراد بنقد المتن، باعتبار أفراد المصطلح، لغة واصطلاحًا، وباعتباره مركَّبًا.
المبحث الثاني: لبيان نقد المتن عند الصحابة، وأمثلة من هذا النقد.
المبحث الثالث: لبيان نقد المتن عن المحدِّثين، والأجيال التي تلت الصحابة، ونذكر فيه نصوص أقوالهم، ونماذج من عملهم وتطبيقهم.
والله سبحانه وتعالى المعين على كل خير، الموفِّق لكل طاعة وبر.